فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة التكوير:
مكية.
وهي تسع وعشرون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إذا الشّمس كورت} ذهب بضوئها من كورت العمامة إذا لفقتها أي يلف ضوءها لفاً فيذهب انبساطه وانتشاره في الآفاق.
وارتفاع {الشمس} بالفاعلية ورافعها فعل مضمر يفسره {كورت} لأن (إذا) يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط {وإذا النّجوم انكدرت} تساقطت {وإذا الجبال سيرت} عن وجه الأرض وأبعدت أو سيرت في الجو تسيير السحاب {وإذا العشارُ} جمع عشراء وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر، ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة {عطلت} أهملت عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم وكانوا يحبسونها إذا بلغت هذه الحالة لعزتها عندهم ويعطلون ما دونها.
{عطلت} بالتخفيف عن اليزيدي {وإذا الوحوش حشرت} جمعت من كل ناحية.
قال قتادة: يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص فإذا قضى بينها ردت أتراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم كالطاوس ونحوه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: حشرها موتها.
يقال: إذا أجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتم السنة.
{وَإِذَا البحار سجرت} {سجرت} مكي وبصري من سجر التنور إذا ملأه بالحطب أي ملئت، وفجر بعضاً إلى بعض حتى تعود بحراً واحدًّا.
وقيل: ملئت نيراناً لتعذيب أهل النار {وَإِذَا النفوس زوجت} قرنت كل نفس بشكلها الصالح مع الصالح في الجنة والطالح مع الطالح في النار، أو قرنت الأرواح بالأجساد، أو بكتبها وأعمالها، أو نفوس المؤمنين بالحور العين ونفوس الكافرين بالشياطين {وَإِذَا الموءودة} المدفونة حية، وكانت العرب تئد البنات خشية الإملاق وخوف الاسترقاق {سُئِلَتْ} سؤال تلطف لتقول بلا ذنب قتلت، أو لتدل على قاتلها، أو هو توبيخ لقاتلها بصرف الخطاب عنه كقوله: {أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] الآية {بِأَىِّ ذَنبٍ قتلت} وبالتشديد: يزيد.
وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون، وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب {وَإِذَا الصحف نشرت} {فُتِحَتْ} وبالتخفيف: مدني وشامي وعاصم وسهل ويعقوب.
والمراد صحف الأعمال تطوى صحيفة الإنسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب، ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم {وَإِذَا السماء كُشِطَتْ} قال الزجاج: قلعت كما يقلع السقف {وَإِذَا الجحيم سعرت} أوقدت إيقاداً شديداً.
بالتشديد: شامي ومدني وعاصم غير حماد ويحيى للمبالغة {وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ} أدنيت من المتقين كقوله: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق: 31].
فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها في الدنيا والباقية في الآخرة.
ولا وقف مطلقاً من أول السورة إلى {مَّا أَحْضَرَتْ} لأن عامل النصب في {إِذَا الشمس} وفيما عطف عليه جوابها وهو {عَلِمَتْ نَفْسٌ} أي كل نفس ولضرورة انقطاع النفس على كل آية جوز الوقف {مَّا أَحْضَرَتْ} من خير وشر.
{فَلاَ أُقْسِمُ} (لا) زائدة {بالخنس} بالرواجع بينا ترى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعاً إلى أوله {الجوار} السيارة {الكنس} الغيب من كنس الوحش إذا دخل كناسه.
قيل: هي الدراري الخمسة: بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشتري، تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تختفي تحت ضوء الشمس، فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس.
وقيل: هي جميع الكواكب {واليل إِذَا عَسْعَسَ} أقبل بظلامه أو أدبر فهو من الأضداد.
{والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} امتد ضوءه.
ولما كان إقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفساً له مجازاً وجواب القسم {إِنَّهُ} أي القرآن {لَقول رَسُولٍ} أي جبريل عليه السلام.
وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذي نزل به {كَرِيمٍ} عند ربه {ذِى قُوَّةٍ} قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف {عِندَ ذِى العرش} عند الله {مَّكِينٍ} ذي جاه ومنزلة.
ولما كانت على حال المكانة على حسب حال المكين قال: {عِندَ ذِى العرش} ليدل على عظم منزلته ومكانته {مطاع ثَمَّ} أي في السماوات يطيعه من فيها أو عند ذي العرش أي عند الله يطيعه ملائكته المقربون يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه {أَمِينٍ} على الوحي {وَمَا صاحبكم} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {بِمَجْنُونٍ} كما تزعم الكفرة وهو عطف على جواب القسم.
{وَلَقَدْ رَءَاهُ} رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته {بالأفق المبين} بمطلع الشمس {وَمَا هُوَ على الغيب} وما محمد على الوحي {بضنين} ببخيل من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالوحي كما يبخل الكهان رغبة في الحلوان بل يعلمه كما علم ولا يكتم شيئاً مما علم.
{بظنين} مكي وأبو عمرو وعلى أي بمتهم فينقص شيئاً مما أوحي إليه أو يزيد فيه من الظنة وهي التهمة {وَمَا هُوَ} وما القرآن {بِقول شيطان رَّجِيمٍ} طريد وهو كقوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} [الشعراء: 210].
أي ليس هو بقول بعض المسترقة للسمع وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} استضلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافاً أو ذهاباً في بنيات الطريق أي تذهب؟.
مثلت حالهم بحاله في تركهم الحق وعدو لهم عنه إلى الباطل.
وقال الزجاج: معناه فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم؟ وقال الجنيد: فأين تذهبون عنا وإن من شيء إلا عندنا {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} ما القرآن إلا عظة للخلق {لِمَن شَاءَ مِنكُمْ} بدل من {العالمين} {أَن يَسْتَقِيمَ} أي القرآن ذكر لمن شاء الاستقامة يعني أن الذين شاؤوا الاستقامة بالدخول في الإسلام هم المنتفعون بالذكر فكأنه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعوظين جميعاً {وَمَا تَشَاءُونَ} الاستقامة {إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله رَبُّ العالمين} مالك الخلق أجمعين. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة التكوير:
{إِذَا الشمس كورت}
قال ابن عباس: ذهب ضوءها وأظلمت وقيل: رمي بها، وقيل: اضمحلت. وأصله من تكوير العمامة لأنها إذا لفت زال انبساطها وصغر جرمها {وَإِذَا النجوم انكدرت} أي تساقطت من مواضعها، وقيل: تغيرت، والأول أرجح لأنه موافق لقوله: {وَإِذَا النجوم انكدرت} وروي أن الشمس والنجوم تطرح في جهنم ليراها من عبدها، كما قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] {وَإِذَا الجبال سيرت} أي حملت وبعد ذلك تفتتت فتصير هباء ثم تتلاشى {وَإِذَا العشار عطلت} العشار جمع عَشْراء وهي الناقة الحامل التي مر لحملها عشرة أشهر، وهي أنفس ما عند العرب وأعزها فلا تعطل إلا من شدة الهول، وتعطيلها هو تركها سائبة أي ترك حبلها {وَإِذَا الوحوش حشرت} أي جمعت، وفي صفة حشرها ثلاثة أقوال: أحدها أنها تحشر أي تبعث يوم القيامة، ليقتص لبعضها من بعض ثم تكون تراباً. والآخر أنها تحشر بموتها دفعة واحدة عند هول القيامة قاله ابن عباس، وقال: إنها لا تبعث وأنه لا يحضر القيامة إلا الإنس والجن والثالث أنها تجمع في أول أهوال القيامة وتفر في الأرض فذلك حشرها.
{وَإِذَا البحار سجرت} فيه ثلاثة أقوال: أحدها ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحدًّا، والآخر مُلئت نيراناً لتعذيب أهل النار، والثالث فرغت من مائها ويبست. وأصله من سَحْرتُ التنور إذا ملأتها، فالقول الأول والثاني أليق بالأصل. والأول والثالث موافق لقوله: {فجرت} {وَإِذَا النفوس زوجت} فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن التزويج بمعنى التنويع لأن الأزواج هي الأنواع، فالمعنى جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن، والثاني: زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم من الحور العين، والثالث: زوجت الأرواح والأجساد أي ردت إليها عند البعث الأول هو الأرجح، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وابن عباس {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ بِأَىِّ ذَنبٍ قتلت} الموؤدة هي البنت التي كان بعض العرب يدفنها حية من كراهته لها، ومن غيرته عليها فتسأل يوم القيامة بأي ذنب قتلت على وجه التوبيخ لقاتلها، وقرأ ابن عباس: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ بِأَىِّ ذَنبٍ قتلت} بضم القاف وسكون اللام وضم التاء، واستدل ابن عباس بهذه الآية على أن اولاد المشركين في الجنة لأن الله ينتصر لهم ممن ظلمهم {وَإِذَا الصحف نشرت} هي صحف الأعمال تنشر ليقرأ كل أحد كتابه، وقيل: هي الصحف التي تتطاير بالأيمان والشمائل بالجزاء {وَإِذَا السماء كُشِطَتْ} الكشط هو التقشير كما يكشط جلدة الشاة حي تسلخ، وكشط السماء هو طيها كطي السجل قاله ابن عطية، وقيل: معناه كشفت وهذا أليق بالكشط {وَإِذَا الجحيم سعرت} أي أوقدت وأحميت.
{وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ} أي قربت {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ} هذا جواب إذا المكررة في المواضع قبل هذا، ومعناه علمت كل نفس ما أحضرت من عمل، فلفظ النفس مفرد يراد بكه الجنس والعموم وقال ابن عطية: إنما أفدرها ليبين حقارتها وذلتها، وقال الزمخشري: هذا من عكس كلامهم الذي يقصد به الإفراط فيما يعكس عنه {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ} [الحجر: 2] ومعناه التكثير، وكذلك هنا معناه أعم الجموع {مَّآ أَحْضَرَتْ} عبارة عن الحسنات والسيئات.
{فَلاَ أُقْسِمُ} ذكرت نظائره {بالخنس الجوار الكنس} يعني الدراري السبعة وهي الشمس والقمر وزحل وعطارد والمريخ والمشتري والزهرة وذلك أن هذه الكواكب تخنس في جريها أي تتقهقر، فيكون النجم في البرج ثم بكرّ راجعاً وهي جواري في الفلك، وهي تنكنس في أبراجها أي تستتر وهو مشتق من قولك: كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو موضعه.
وقيل: يعني الدراري الخمسة وهو مشتق بضوء الشمس.
وقيل: يعني النجوم كلها، لأنها تخنس في جريها وتنكنس بالنهار أي تستر، وتختفي بضوء الشمس.
وقيل: يعني بقر الوحش، فالخنس على هذا من خنس الأنف والكنس من سكناها في كناسها {والليل إِذَا عَسْعَسَ} يقال عسعس إذا كان غير مستحكم الظلام، فقيل: ذلك في أوله، وقيل: في آخره وهذا أرجح، لأن آخر الليل أفضل، ولأنه أعقبه بقوله: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} أي استطار واتسع ضوؤه {إِنَّهُ لَقول رَسُولٍ كَرِيمٍ} الضمير للقرآن والرسول الكريم جبريل، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم.
قال السهيلي: لا يجوز أن يقال إنه محمد عليه السلام؛ لأن الآية نزلت في الرد على الذين قالوا إن محمداً قال القرآن، فكيف يخبر الله أنه قوله: وإنما أراد جبريل، وإضاف القرآن إليه لأنه جاء به، وهو في الحقيقة قول الله تعالى، وهذا الذي قال السهيلي لا يلزم، فإنه قد يضاف إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه تلقاه عن جبريل عليه السلام، وجاء به إلى الناس، ومع ذلك فالأظهر أنه جبريل وصفه بقوله: {ذِي قُوَّةٍ} وقد وصف جبريل بهذا لقوله: {شديد القوى} و{ذو مرة} {عِندَ ذِي العرش} يتعلق بذي قوة، وقيل: بمكين، وهذا أظهر والمكين الذي له مكانة أي جاه وتقريب {مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} هذا الظرف إشارة إلى الظرف المذكور قبله. وهو عند ذي العرش أي مطاع في ملائكة ذي العرش {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} هو محمد صلى الله عليه وسلم باتفاق {وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين} ضمير الفاعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وضمير المفعول لجبريل عليه السلام، وهذه الرؤية له بغار حراء على كرسي بين السماء والأرض.
وقيل: الرؤية التي رآه عند سدرة المنتهى في الإسراء، ووصف هذا الأفق بالمبين لأنه روي أنه كان في المشرق من حيث تطلع الشمس، وأيضاً كل أفق فهو مبين {وَمَا هُوَ على الغيب بضنين} الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ بالضاد فمعناه بخيل أي لا يبخل بأداء ما ألقى إليه من الغيب، وهو الوحي، ومن قرأ بالظاء فمعناه متهم أي لا يتهم على الوحي، بل هو أمين عليه. ورجح بعضهم هذه القرءاة بأن الكفار لم ينسبوا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى البخل بالوحي بل اتهموه فنفى عنه ذلك {وَمَا هُوَ بِقول شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} الضمير للقرآن {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} خطاب لكفار قريش أي ليس لكم زوال عن هذه الحقائق. وقد تقدم تفسير بقية السورة في نظائره فيما تقدم. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة التكوير:
مكية.
وآيها تسع وعشرون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِذَا الشمس كورت}
لفت من كورت العمامة إذا لففتها بمعنى رفعت لأن الثوب إذا أريد رفعه لف، أو لف ضوؤها فذهب انبساطه في الآفاق وزال أثره، وألقيت عن فلكها من طعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعاً والتركيب للإرادة والجمع وارتفاع الشمس بفعل يفسره ما بعدها أولى لأن إذا الشرطية تطلب الفعل.
{وَإِذَا النجوم انكدرت} انقضت قال:
أَبْصِرْ خَرْبَانَ فَضَاءَ فانكدر ** أو أظلمت من كدرت الماء فانكدر.

{وَإِذَا الجبال سيرت} عن وجه الأرض أو في الجو.
{وَإِذَا العشار} النوق اللواتي أتى على حملهن عشرة أشهر جمع عشراء.
{عطلت} تركت مهملة، أو السحائب عطلت عن المطر، وقرئ بالتخفيف.
{وَإِذَا الوحوش حشرت} جمعت من كل جانب أو بعثت للقصاص ثم ردت تراباً، أو أميتت من قولهم إذا أجحفت السنة بالناس حشرتهم، وقرئ بالتشديد.
{وَإِذَا البحار سجرت} أحميت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحدًّا، من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وروح بالتخفيف.
{وَإِذَا النفوس زوجت} قرنت بالأبدان أو كل منها بشكلها، أو بكتابها وعملها أو نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكافرين بالشياطين.
{وَإِذَا الموءودة} المدفونة حية وكانت العرب تئد البنات مخافة الإِملاق، أو لحوق العار بهم من أجلهم.
{سُئِلَتْ بِأَىّ ذَنبٍ قتلت} تبكيتاً لوائدها كتبكيت النصارى بقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام {أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله} وقرئ {سألت} أي خاصمت عن نفسها وسألت، وإنما قيل {قتلت} على الإِخبار عنها وقرئ: {قتلت} على الحكاية.
{وَإِذَا الصحف نشرت} يعني صحف الأعمال فإنها تطوى عند الموت وتنشر وقت الحساب. وقيل {نشرت} فرقت بين أصحابها. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالتشديد للمبالغة في النشر، أو لكثرة الصحف أو شدة التطاير.
{وَإِذَا السماء كُشِطَتْ} قلعت وأزيلت كما يكشط الإِهاب عن الذبيحة، وقرئ {قشطت} واعتقاب القاف والكاف كثير.
{وَإِذَا الجحيم سعرت} أوقدت إيقاداً شديداً وقرأ نافع وابن عامر وحفص ورويس بالتشديد.
{وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ} قربت من المؤمنين.
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} جواب {إِذَا} وإنما صح والمذكور في سياقها اثنتا عشرة خصلة ست منها في مبادئ قيام الساعة قبل فناء الدنيا وست بعده، لأن المراد زمان متسع شامل لها ولمجازاة النفوس على أعمالها، و{نَفْسٌ} في معنى العموم كقولهم تمرة خير من جرادة.
{فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس} بالكواكب الرواجع من خنس إذا تأخر، وهي ما سوى النيرين من الكواكب السيارات ولذلك وصفها بقوله: {الجوار الكنس} أي السيارات التي تختفي تحت ضوء الشمس من كنس الوحش إذا دخل كناسه، وهو بيته المتخذ من أغصان الشجر.
{واليل إِذَا عَسْعَسَ} أقبل ظلامه أو أدبر وهو من الأضداد يقال عسعس الليل وسعسع إذا أدبر.
{والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} أي أضاء غبرته عند إقبال روح ونسيم.
{إِنَّهُ} أي القرآن.
{لَقول رَسُولٍ كَرِيمٍ} يعني جبريل فإنه قاله عن الله تعالى.
{ذِى قُوَّةٍ} كقوله شديد القوى.
{عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ} عند الله ذي مكانة.
{مطاع} في ملائكته.
{ثَمَّ أَمِينٍ} على الوحي، وثم يحتمل اتصاله بما قبله وما بعده، وقرئ {ثُمَّ} تعظيماً للأمانة وتفضيلاً لها على سائر الصفات.
{وَمَا صاحبكم بِمَجْنُونٍ} كما تبهته الكفرة واستدل بذلك على فضل جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام حيث عد فضائل جبريل واقتصر على نفي الجنون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ضعيف إذ المقصود منه نفي قولهم {إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} افترى على الله كذباً {أم به جنة} لا تعداد فضلهما والموازنة بينهما.
{وَلَقَدْ رَءاهُ} ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه الصلاة والسلام.
{بالأفق المبين} بمطلع الشمس.
{وَمَا هُوَ} وما محمد عليه الصلاة والسلام.
{على الغيب} على ما يخبره من الموحى إليه وغيره من الغيوب.
{بضنين} بمتهم من الظنة، وهي التهمة، وقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر {بضنين} بالضاد من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم، والضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره، والظاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا.
{وَمَا هُوَ بِقول شيطان رَّجِيمٍ} يقول بعض المسترقة للسمع، وهو نفي لقولهم إنه لكهانة وسحر.
{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن، كقولك لتارك الجادة: أين تذهب.
{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين} تذكير لمن يعلم.
{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} بتحري الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين لأنهم المنتفعون بالتذكير.
{وَمَا تَشَاءونَ} الاستقامة يا من يشاؤها.
{إِلاَّ أَن يَشَاء الله} إلا وقت أن يشاء الله مشيئتكم فله الفضل والحق عليكم باستقامتكم.
{رَبّ العالمين} مالك الخلق كله.
قال عليه الصلاة والسلام «من قرأ سورة التكوير أعاذه الله أن يفضحه حين تنتشر صحيفته». اهـ.